عامٌ دراسيٌ ثانٍ يُطوى تاركاً جرحاً غائراً في قلوب طلبة غزة. فمعركة الكفاح التي خاضوها بشغف تحوّلت إلى معاناة مستمرة، بعد انقطاع طويل بدّد طموحاتهم وعرقل مسيرتهم نحو النجاح، ليتخبّطوا في مواجهة مسؤوليات ثقيلة هبطت على كاهلهم فجأة.
لم يعد الكتاب رفيقهم اليومي، بل غدت طوابير الحصول على مقوّمات الحياة معركة يومية؛ يظفر بها من يتمكن من تأمين قوت عائلته واحتياجاتها، وسط حرمان وجوع ومعاناة متواصلة منذ أكثر من 21 شهرًا.
يقول محمد نصر، طالب طب الأسنان في جامعة الأزهر بغزة: “مستقبلنا متوقّف منذ عامين، كنت من المفترض أن أتخرّج العام الماضي، لكن الانقطاع عن التعليم، ومحاولات العودة إلكترونيًا، ثم انقطاع الإنترنت في ظل استمرار الحرب، كل ذلك عطّل تخرّجنا وهدم أحلامنا بالالتحاق بسوق العمل”.
ويضيف نصر في حديثه لـ “قدس برس”: “كلنا في غزة خسرنا مع استمرار هذه الحرب المدمّرة. خسرنا أرواحًا وأحبّة، ومنازل وممتلكات. لم يتبقَّ لنا سوى التعليم الذي نتمسك به جاهدين، فنحن لا نريد أن نخسر مستقبلنا أيضًا”.
ويتابع: “منذ بداية الحرب توقفنا عن الدراسة بعد انقطاع الإنترنت شمال غزة، لما يقارب العام الكامل. هذا الانقطاع أثّر بشكل كبير على مسار تخرجنا، ناهيك عن تدمير مباني الجامعة ومعداتها التي كنّا نعتمد عليها في دراستنا”.
ويشير نصر إلى أنه فكّر أكثر من مرة بتغيير تخصصه من طب الأسنان إلى مجال آخر، بسبب النقص الحاد في الأدوات والأجهزة، لكنه تراجع وفاءً لحلم والدته.
وفي ظل الواقع القاسي الذي فرضته الحرب، اضطُرت الطالبة آية الفحام إلى تغيير مسارها الأكاديمي، فاختارت تخصص تكنولوجيا المعلومات في جامعة فلسطين التقنية، بدلًا من الصيدلة، لتتمكن من الدراسة عن بُعد. لكنها لم تستطع إتمام عامها الأول بسبب انقطاع الإنترنت وصعوبة الحصول عليه.
تقول الفحام: “التعليم الإلكتروني لا يصلح في ظلّ هذه الظروف القاسية التي نعيشها في غزة، من خوف وعدم استقرار ودمار واسع وتدهور في جميع الخدمات الأساسية، خاصة الاتصالات والإنترنت، وهي ضرورية لهذا النوع من التعليم”.
وتضيف لـ “قدس برس”: “نواجه صعوبات جمّة في متابعة تعليمنا الجامعي في مؤسسات القطاع التي تعرضت لتدمير كبير وممنهج خلال الحرب المستمرة للعام الثاني على التوالي”.
ورغم كل ذلك، تؤكد الفحام تمسكها بأمل استئناف الدراسة بمجرد انتهاء الحرب، والعودة إلى المقاعد الدراسية، حتى لو كانت داخل خيام أو كتاتيب. وتقول: “نلتقي خلالها بأساتذتنا ونتلقى العلم منهم بشكل مباشر لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة”.
قطاع التعليم في غزة يُعدّ من أكثر القطاعات تضررًا، وخاصة على مستوى طلبة الجامعات وطلبة التوجيهي الذين حُرموا من خوض الامتحانات ومواصلة التعليم أسوة بأقرانهم في الضفة الغربية.
طلبة التوجيهي خارج سباق التعليم
ويعيش طلبة التوجيهي في غزة هواجس من الخوف والقلق، إذ يوشك مستقبلهم على الضياع. فللعام الثاني على التوالي، لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة ولم يتمكنوا من تقديم امتحاناتهم النهائية المؤهّلة للمرحلة الجامعية.
الطالبة نور عسلية، التي بذلت 12 عامًا من الجد والمثابرة، باتت فريسة للحرب، تزيح الغبار عن كتبها التي غطّاها ركام القصف الإسرائيلي.
تقول عسلية لـ “قدس برس”: “كنا نأمل أن تنتهي الحرب لنكون على مقاعد الاختبار كما هو حال طلبة الضفة، لكن الواقع فرض علينا مصيرًا مشابهًا لدفعة 2007″، في إشارة إلى الدفعة التي كان يفترض أن تتقدّم لامتحانات الثانوية العامة هذا العام.
وتعترف عسلية أنها فقدت شغفها بالدراسة، بعد فقدانها العديد من زميلاتها، وضياع حلمٍ لطالما انتظرته.
أما الطالبة دعاء الشندغلي، فقصتها لا تختلف كثيرًا. لم تفارق كتبها حتى بعد نزوحها إلى غربي مدينة غزة، متمسكة بأمل العودة إلى قاعة الامتحان، لتحصد ثمرة سنواتٍ طويلة من الاجتهاد.
تقول الشندغلي: “كنت أشعر بالخوف من أن يتكرر سيناريو العام الماضي، وأدعو ليلًا ونهارًا ألّا يأتي ذلك اليوم وأنا ما زلت خارج قاعة الامتحان، بخلاف زملائنا في الضفة الغربية”.
وتضيف لـ “قدس برس”: “في العام الماضي حرمتنا الحرب من تقديم امتحانات التوجيهي، وها نحن اليوم على ذات الطريق، نُحرم قسرًا من خوضها للعام الثاني على التوالي”.
وتعاني الشندغلي من إحباط شديد، وتقول: “حلمي توقف مع بداية الحرب.. فهل سأتمكن يومًا ما من تجاوز هذا القصور وتقديم الامتحان؟”.
وتشنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي مطلق، حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، أسفرت – وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية – عن استشهاد أكثر من 60 ألفًا و332 شخصًا، وإصابة 147 ألفًا و643 آخرين، إضافة إلى أكثر من 10 آلاف مفقود، ومجاعة أودت بحياة العشرات، فيما يعيش أكثر من مليوني فلسطيني ظروف نزوح قسري وسط دمار شامل.
SOURCE: QUDS PRESS INTERNATIONAL NEWS AGENCY