اعتبر مراقبون سياسيون أن الجدل الذي أثارته تصريحات القيادي في حركة “حماس”، خليل الحية، بشأن الإنزالات الجوية في غزة، يعكس حالة من التوتر المفتعل، ومحاولة بعض الجهات استثمار التصريحات في خلق صدام إعلامي لا يخدم القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها وحدة الصف العربي في مواجهة الاحتلال.
وأشار المراقبون إلى أن تصريحات الحية لم تكن موجهة ضد الأردن تحديدًا، بل جاءت في سياق دعوات متكررة وجهها لمختلف الأطراف الدولية والإقليمية، بهدف حشد الدعم لوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، معتبرين أن تأويلها بصورة عدائية يعكس سوء فهم – وربما توظيفًا سياسيًا مقصودًا – من بعض وسائل الإعلام المحسوبة على أجندات خارجية.
وفي هذا السياق، شدد مراقبان في حديثين منفصلين لـ”قدس برس”، على ضرورة تغليب منطق وحدة المصير المشترك بين الشعبين الأردني والفلسطيني، والتحذير من الانجرار خلف حملات إعلامية تسعى لتشويه صورة المقاومة ونقل المعركة إلى الداخل العربي، في الوقت الذي تستهدف فيه “إسرائيل” الجميع دون استثناء.
وحدة المصير
وقال الناشط النقابي والكاتب السياسي أحمد أبو غنيمة إن “قادة المقاومة ليسوا فوق النقد، فهم بشر يصيبون ويخطئون، لكن يجب أن يكون النقد قائمًا على الاحترام والتقدير، دون تجريح أو إسفاف”.
وأضاف أبو غنيمة في حديث لـ”قدس برس” أن “تصريحات القائد المجاهد خليل الحية حول الإنزالات الجوية فُسّرت من قبل البعض على أنها موجهة ضد الأردن، رغم أن دولًا أخرى قامت بإنزالات مشابهة”، مشيرًا إلى أن “الحية ذاته، وفي كلمة سابقة قبل أيام، خصّ الشعب الأردني بالإشادة، وثمّن ما يقدمه من دعم لفلسطين وغزة، بل وطالب بالمزيد”.
وتابع: “لك أن تنتقد الأستاذ الحية بناء على تفسيرك لما قال، فهذا حقك، أما أن تنحدر إلى مستوى الاستهزاء باسمه أو اسم عائلته الكريمة، فذلك هو الإسفاف بعينه، ولا يليق بمن يخوض في الشأن العام”.
وأشار أبو غنيمة إلى أنه “في الوقت الذي كنا ننتظر فيه في الأردن أن تسهم معركة طوفان الأقصى في تقريب وجهات النظر بين حركة “حماس” والدولة الأردنية، باعتبار أن العدو مشترك، وأن الأردن مستهدف كما غزة والضفة “فوجئنا بحملات إعلامية عبر وسائل إعلام رسمية تهاجم الحركة لمجرد التباس في فهم تصريح أو مناشدة صادقة من قادة حماس للشعب الأردني، الذي تنظر إليه الحركة باعتباره السند والظهير للشعب الفلسطيني على مدى عقود”.
وأوضح أن “محاولات بعض السياسيين والإعلاميين المحسوبين على الخط الرسمي افتعال صدام مع حركة حماس، لا تلقى قبولًا في الشارع الأردني الواعي، الذي يدرك خطورة المرحلة وطبيعة التهديدات الصهيونية التوسعية التي تستهدف الأردن ككيان وأرض وشعب وقيادة”.
ولفت أبو غنيمة إلى أن “الحملات التحريضية المضللة لا تجد صدى لدى غالبية الشعب الأردني، الذي يثق بأن حركة حماس حريصة على أمن الأردن واستقراره، وأن مناشداتها إنما تنبع من إيمانها العميق بوحدة المصير، وتوجّه خطابها إلى إخوتها في الدم والعقيدة والتاريخ”.
معركة إعلامية مفتعلة
من جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي حازم عياد أن تصريحات القيادي في حركة “حماس” خليل الحية “لم تتضمن أي إساءة أو تحريض ضد الأردن، وأن تفسيرها بهذا الشكل يندرج ضمن محاولات التشويه أو سوء الفهم المتعمد من بعض الجهات الإعلامية”.
وقال عياد في حديث لـ”قدس برس”: “من خلال متابعتي لخطاب السيد خليل الحية، لا أرى أنه احتوى على إساءة أو تحريض، بل كان خطابًا عامًا، شبيهًا بمناشدات سابقة وجّهها الحية للرأي العام الأوروبي، وللمجتمع الدولي، وللمؤسسات الأممية، بهدف نصرة الشعب الفلسطيني ورفع المعاناة عنه”.
وأوضح أن “خطاب الحية تضمن دعوة عامة موجهة للدول المجاورة بحكم الجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية والثقافية، دون أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية للأردن”، مؤكدًا أن “الموقف الأردني الرسمي كان إيجابيًا منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة، ولا يزال يواصل تقديم المساعدات عبر الإنزالات الجوية والمعابر البرية، في انسجام بين الحراك الشعبي والرسمي”.
وأضاف: “لا أرى أن هناك استهدافًا للأردن من قبل حركة حماس أو من قبل الحية، بل ما قيل يعبّر عن طبيعة العلاقة التاريخية العميقة بين الشعبين الفلسطيني والأردني، كما هو الحال مع مصر ودول الجوار الأخرى”.
وأشار عياد إلى أن بعض الجهات الإعلامية والسياسية “تحاول توظيف التصريحات وافتعال معركة إعلامية مفتعلة، في محاولة للضغط على المقاومة ودفعها للقبول بالشروط الإسرائيلية”.
وتابع: “هذه المحاولات تقودها وسائل إعلام مرتبطة بأجندات خارجية، وبعضها أقرب إلى الرؤية الأميركية، لكنها لا تعبّر عن المزاج العام في الداخل الأردني، حيث يبقى الجدل في إطاره الطبيعي والمعقول”.
وشدّد على أن “إسرائيل تسعى إلى افتعال الأزمات والصراعات لتوجيه الأنظار بعيدًا عن جرائمها بحق الفلسطينيين، وتجويعهم، وانتهاك حقوقهم”، مشيرًا إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وبعض الأطراف المرتبطة بها “تصطاد في الماء العكر، وتعمل على تصعيد الخلافات ضمن استراتيجية متعمدة لإضعاف الدعم العربي والإسلامي للمقاومة”.
وبيّن عياد أن هناك “سوء فهم حقيقي من بعض الإعلاميين في قراءة خطاب الحية، وربما يحتاج الأمر إلى توضيح لاحق من قِبل الحركة، لكن لا ينبغي تحويله إلى أزمة سياسية أو إعلامية مفتعلة”.
وأضاف: “حتى خصوم حماس السياسيين، بما فيهم أطراف في السلطة الفلسطينية، استثمروا هذه التصريحات في معارك جانبية لا تخدم القضية، بل دخلوا في مناكفات سياسية ومبالغات إعلامية، وحوّلوا تصريحات الحية عن مسارها الحقيقي، بما يخدم مصالحهم أو أجنداتهم الخاصة”.
وختم عياد بالتأكيد على “ضرورة الحذر من محاولات إسرائيل نقل المعركة من الساحة الدولية إلى الساحات العربية، عبر اختلاق أزمات داخلية تُستخدم لابتزاز المقاومة سياسيًا وتشويه صورتها أمام جماهيرها”.
SOURCE: QUDS PRESS INTERNATIONAL NEWS AGENCY