Search
Close this search box.

محكمة غزة الرمزية أمام اختبار النجاح: تحويل الخطاب الأخلاقي إلى قوة قضائية فعلية

يرى مراقبون أن انعقاد محكمة غزة الرمزية الدولية في إسطنبول لم يكن مجرد حدث قانوني رمزي، بل محاولة جريئة لإعادة تعريف معنى العدالة في عالم فقد توازنه الأخلاقي. فالمحكمة أرادت أن تميّز بين “العدالة القانونية” التي تُمارَس داخل قاعات المؤسسات الخاضعة للسياسة والمصالح، و”العدالة الأخلاقية” التي تنبع من ضمير الشعوب حين يفشل النظام الدولي في حماية المظلومين. هذه التجربة تسعى لتأسيس نمط جديد من العدالة الشعبية العابرة للأنظمة، حيث يصبح صوت الضحايا نفسه هو المرجعية، لا إرادة القوى الكبرى.

ومن خلال الشهادات التي قدّمها الأطباء والصحفيون القادمون من غزة، تحوّل الألم الإنساني إلى مادة قانونية، وإلى لغة جديدة للمرافعة السياسية أمام وجدان العالم. فالتوثيق هنا لم يكن مجرد سرد للوقائع، بل فعل مقاومة في وجه الإنكار ومحاولة لانتزاع الاعتراف بالكرامة الإنسانية.

ويبقى التحدي الأعمق هو ما إذا كانت هذه المحكمة ستبقى فعلاً رمزياً، أم ستتحول إلى نواة ضغط مؤسسية تفرض على الحكومات والهيئات الدولية مراجعة صمتها، وتدفع نحو بناء وعي عالمي جديد بمسؤولية الجماعة الدولية عن جريمة الإبادة، لا بوصفها مأساة محلية، بل كاختبار لإنسانية النظام الدولي بأسره.

وفي حديث خاص لـ”قدس برس”، قال القاضي أشرف نصر الله إن “محكمة غزة التي عقدت في جامعة إسطنبول كانت تسعى إلى عدد من المبادئ الأساسية وترسيخها في المجتمع الدولي، وهذه المفاهيم بأن أرادت المحكمة أن تكرس مبدأ العدالة، وأن العدالة يمكن أن تبدأ من المبادرات الشعبية والمؤسسات الأكاديمية والحقوقية في ظل تأخر المجتمع الدولي والمحاكم الدولية عن القيام بدورها”.

وأضاف نصر الله أن “المحكمة أرادت أن تؤكد بأن الرواية القانونية الفلسطينية هي رواية موثقة تستند إلى أدلة قانونية دامغة وليست إلى خطاب عاطفي، تؤكد بأن الاحتلال ارتكب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة”.

وأوضح أن المحكمة “أرادت أن ترسخ بأن العدالة الدولية يجب أن لا تبقى مقيدة بالدول الكبرى وبقرارات هذه الدول وهي التي تتحكم بها، بل لابد أن يكون هناك محاسبة على هذه الجرائم دون أي تمييز ودون أن يكون أحد فوق القانون”.

وتابع قائلاً إن المحكمة “أرادت أن تؤكد بأن العدالة يجب أن لا تبقى حكراً على المؤسسات الدولية الرسمية كمحكمة الدولية، سيمكن أن تمارس من خلال هيئات مستقلة تمثل ضمير الإنسانية وضمير الشعوب في هذا العالم”.

وأشار نصر الله إلى أنه “يمكن تحويل هذا الفعل الرمزي إلى قوة ضغط مؤسسية على الحكومات وعلى المحاكم الدولية لإنصاف الضحايا الذين قتلهم الاحتلال أو الذين أصيبوا أو تعذبوا في السجون الإسرائيلية، ويمكن تحويل ذلك من خلال عدة وسائل مثل تحويل الأدلة لقضايا قانونية بتحضير ملفات والتعاون مع الخبراء في التقاضي ورفع القضايا في المحاكم الدولية، ويمكن أن يكون هناك ضغط سياسي من خلال البرلمانات في الدول الأوروبية للتحقيق في هذه الجرائم، وأيضاً ضرورة بناء شبكة من المنظمات الحقوقية والنقابات والجامعات للتأكيد على ضرورة إنصاف الضحايا ومبدأ سيادة العدالة ومحاسبة المجرمين”.

وفيما يتعلق بشهادات الصحفيين والأطباء من غزة، أوضح أن “هذه الشهادات كانت دائماً ذات طابع إنساني وطابع قانوني وحقوقي، لأن هؤلاء الصحفيين والأطباء هم جزء من الضحايا، وبالإضافة إلى الصحفيين والأطباء كان عدد كبير من الضحايا الذين قاموا بإعطاء إفادات إلى هذه المحكمة وتحدثوا عن جرائم فظيعة جداً ارتكبها الاحتلال، منهم من أبيدت عائلته بالكامل، ومنهم من تعرض أطفاله وغيرهم إلى القتل، ومنهم من تعرض إلى التعذيب بشكل وحشي جداً في السجون الإسرائيلية وفي المعتقلات التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي”.

وأضاف نصر الله: “فيما يتعلق بنجاح هذه الفعالية، حقيقة يقاس النجاح الحقيقي بقدرة المحكمة على تحويل العدالة من مفهوم أخلاقي إلى قوة فاعلة في الواقع الدولي. طبعاً نحتاج إلى جهود كبيرة جداً لمتابعة جرائم الحرب أمام المحاكم الدولية، خاصة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وطبعا يجب أن يكون هناك ضغط أيضاً على بعض الدول الأوروبية بفتح تحقيقات فيما يتعلق بالجنود الذين يحملون الجنسيات المزدوجة والذين شاركوا في هذه الإبادة، يجب أن يكون هناك تحرك أيضاً إلى جانب التحرك القانوني، التحرك السياسي والمجتمعي من خلال الضغط على الحكومات والمؤسسات الرسمية، ويجب أيضاً أن يكون هناك تحرك مجتمعي لتتحول المحكمة إلى مدرسة في العدالة الشعبية”.

وختم نصر الله حديثه لـ”قدس برس” بالقول إن “هذه الخطوة هي خطوة أولية بإذن الله لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا الذين تعرضوا للإبادة في قطاع غزة”.

SOURCE: QUDS PRESS INTERNATIONAL NEWS AGENCY