أبو ستة: إجراء انتخابات مجلس وطني مطلب شعبي للنهوض بالحالة الفلسطينية

هي جولة في فكر رجل، قضى جل عمره مدافعا عن الحق الفلسطيني، وباحثا بقضايا اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، وموثقا كل تفاصيل فلسطين، إذ يقول “لقد ظللت أجمع أي مادة عن كل شبر من وطني”.

 

صوت البروفسيور الفلسطيني، سلمان أبو ستة، لم يخفت يوما، بأي محفل دولي، فهو يتمسك بقضية، منحها جل وقته وجهده وتفكيره، فأصدر عشرات الأبحاث، وألّف أربعة كتب عن اللاجئين بالعربية والإنجليزية، وصمم ورسم خريطة تضم كل قرى ومدن فلسطين (أطلس فلسطين)، لا يكاد يخلو منها بيت فلسطيني، ووُزِع منها الملايين.

 

مفصلية اللحظة، ونقاط التحول والمنعطفات الكثيرة التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وانعكاسات الأحداث الأخيرة التي لا تزال مدن الأراضي المحتلة تعيشها، وأبرز التحديات التي تواجه القضية، إلى جانب سبل النهوض بالحالة الفلسطينية، ودور اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، كانت محاور أساسية ناقشتها “قدس برس” مع البروفيسور الفلسطيني، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني سابقا، سلمان أبو ستة.

 

الأحداث الأخيرة و”صيحة الوعي”

 

يقرأ “أبو ستة”، تداعيات الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من منطلق “صيحة الوعي”، المتمثلة في صمود غزة، خلال معركة “سيف القدس” الأخيرة، وما سبقها أيضا من معارك خاضتها المقاومة مع الاحتلال، إلى جانب تمسك أهالي حي الشيخ جراح وغيره من الأحياء المقدسية التي تتعرض منذ عقود إلى سياسة تهجير وهدم ممهنج للبيوت والسكان.

 

ويقول: “أظهرت الجولات الأخيرة لنا فريقين في نظرتهما للقضية الفلسطينية، الأول تغيرت نظرته لمجريات الأحداث، فيما الثاني بقي كما هو ولن يتغير”.

 

وبين “أبو ستة” أن “الفريق الذي لم يتغير هو الداعم للصهيونية وحركتها منذ مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897، في حين أن فريقا آخر يعرف حيثيات القضية وتفاصيلها الدقيقة، على الرغم من أن بعض العرب ومنهم فلسطينيون لم يدركوا ذلك، وظنوا أن الصهيونية ستغير من مبادئها”.

 

وتابع: “لجأ فريق من الفلسطينيين والعرب إلى طرق أخرى جلبت كوارث إلى القضية، وأبرزها اتفاق أوسلو، والذي يعد أخطر من وعد بلفور البريطاني المشؤوم، حيث جاءت بعده سلسلة من المفاوضات ليست عبثية فحسب، وإنما خطيئة سياسية من البداية”.

 

ونوه إلى أن بدايات العدوان الأخير على غزة، والهبات الشعبية في الأراضي المحتلة، “أعادت القضية الفلسطينية في الغرب إلى الواجهة من جديد “.

 

وذكر أن من كان يدعو إلى التعايش أو حتى التفاوض مع الصهيونية سقطت أوراقه بالكامل، “ما يعني أن ما جرى درس عظيم لكل فلسطيني بضرورة الفهم والعمل، ومواجهة من يدعون تمثيلنا أمام العالم”، مستدركا: “واجبنا اليوم إعادة الصحوة للشعب الفلسطيني، لاسيما بعد خداعنا لسنوات طويلة من قبل شخصيات كانت ولا تزال تتحدث باسمنا، وعليه فإن الطريقة الوحيدة لاستعادة الوعي هي إعادة تمثيلنا”.

 

هبّات الداخل المحتل

 

ويرى “أبو ستة”، والذي تم انتخابه رئيسا للهيئة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج عام 2017،  أن “ما جرى من هبّات شعبية داخل مناطق الـ48 المحتلة، مثل عكا وحيفا واللد، والتي فاجأت الاحتلال قبل الفلسطينيين، أحيت الأمل في نفوسنا، وأثبت أن نصف سكان دولة الاحتلال (فلسطينيو الداخل المحتل)، لا يريدون إسرائيل، وهذا كان مؤشرا إيجابيا، ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل على اليهود الأمريكان أيضا”.

 

ونوه إلى أنه من خلال عمله كمحاضر في جامعات “كامبريدج، وهارفرد وكاليفورنيا”، كانت تدور نقاشات مع الطلبة اليهود حول الصهيونية، حتى أن أحدهم جاء مستفسرا، “اتضح لنا أن الصهيونية خلال مراحل دراستنا الابتدائية قد ضللتنا فيما يتعلق بفلسطين”، وفق ما يذكر “أبو ستة”.

 

انتخابات الخارج ومزاعم السلطة

 

ويرى البروفيسور الفلسطيني، أن النهوض بالحالة الفلسطينية في الوقت الحالي، يتمثل بانتخاب مجلس وطني فلسطيني، يمثل 14 مليون مواطن فلسطيني.

 

ويفند “أبو ستة” مزاعم بعض القيادات في السلطة الفلسطينية، بصعوبة إجراء انتخابات المجلس الوطني خارج الأراضي المحتلة، قائلا: إن “السلطة على مدار السنوات الماضية، وبالتزامن مع ضرورة تحقيق مطلب 7 مليون فلسطيني، لم تبادر أصلا بالحديث مع أي دولة يتواجد فوق أراضيها لاجئون فلسطينيون، بأخذ الموافقة من عدمها”.

 

وأشار إلى أن 7 مليون فلسطيني لاجيء، يسعون منذ اتفاق أوسلو وما قبله، خلف وجود قيادة حقيقية تمثلهم وتتبنى مطالبهم.

 

الانتخابات الرئاسية الفلسطينية “بدعة”

 

وتستند السلطة الفلسطينية في رفضها إجراء انتخابات المجلس الوطني في الخارج، بوجود مجلس تشريعي، وانتخابات رئاسية، يمكن الاكتفاء بهما، إلا أن وجهة نظر “البروفيسور” تختلف هنا، إذ يرى أن الانتخابات الرئاسية “بدعة ولا أصل لها”، حيث لا يوجد في القانون الفلسطيني أصلا شيء اسمه “انتخابات رئاسية” معللا بقوله: “رئيس اللجنة التنفيذية يأتي من خلال انتخابات المجلس الوطني، وعليه فإن اللجنة هي من تنتخب رئيس لها يمثلها، وهو ما يعني ضرورة إجراء انتخابات مجلس وطني عام”.

 

وفيما يتعلق بانتخابات المجلس التشريعي، “فهي تحت الاحتلال وغير مقبولة أصلا”، لأسباب كثيرة، “أبرزها المضايقات الإسرائيلية التي تلاحق المرشحين والمنتخبين في آن واحد”، مضيفا: “لا بد من وضع صيغة أخرى لهذه الانتخابات خارج نطاق الاحتلال”، وفق “أبو ستة”.

 

جملة من التساؤلات أيضا وجهها “أبو ستة” إلى الرافضين إجراء انتخابات مجلس وطني، بحجة أنها غير ممكنة، “هل جربتم التواصل مع الحكومات العربية التي تستضيف اللاجئين فوق أراضيها؟، هل نسقتم مع الفلسطينيين في الخارج؟، “فالسلطة لم تجرب أصلا طرح الموضوع، أو حتى وضع احتمالات آلية تطبيقه”.

 

خيارات بديلة

 

يضع “أبو ستة” سيناريو آخر في حال تم رفض إجراء الانتخابات في الدول العربية، تتمثل بالاعتماد على النقابات والمنظمات والجمعيات الفلسطينية المتواجدة في العواصم العربية والأوروبية، حيث لديها القدرة على ترشيح أسماء لتمثيل الفلسطينيين، إلى جانب سهولة توافر قاعدة البيانات الأساسية للاجئين في الخارج، وبالتالي يمكن الخروج بقوائم انتخابات.

 

و”من مبررات السلطة بالتنصل من إجراء انتخابات المجلس الوطني في الخارج، عدم التأكد من أن الجميع قد يكون فلسطينيا أم لا”، بيد أن “أبوستة” يرد على ذلك قائلا: “لدينا قاعدة معلومات في الخارج، ونسبة الخطأ في أي قائمة انتخابية كما هو معروف لا تزيد عن الـ10 أو الـ20%، و80% من القائمة لدينا هم من الفلسطينيين، وأي انتخابات في العالم يدخل من 40-60% من السكان، وبالتالي، فإن هذا الادعاء باطل، خاصة أن أصل النخبة الفلسطينية هي من تقود القضية من الخارج وتعمل لأجلها”.

 

لماذا انتخابات المجلس الوطني؟

 

إصرار “أبو ستة” على إجراء انتخابات المجلس الوطني، يكمن في أن ما نسبته الـ70% من الشعب الفلسطيني هم من الشباب المتعلم والمثقف، مضيفا: “لابد من وجود تشريع للشباب يتيح لهم فرصة الترشح لانتخابات المجلس، لأن أمامهم مرحلة من العمر وأثبتوا في مراحل سابقة أنهم قادرين على تمثيل فلسطين وحقوق اللاجئين”، فضلا عن إتاحة الفرصة أيضا للنساء اللواتي يعملن اليوم كإعلاميات وناشطات ومحاميات وباحثات في مجال القضية الفلسطينية.

 

“أمام كل ماسبق، فإن الأحاديث والحوارات مع قيادات وازنة في السلطة الفلسطينية ومن هم داخل المجلس الوطني، لم تأت ثمارها، بإمكانية إجراء الانتخابات، وهو ما يعني أن الضغط على السلطة لا يمكن أن يأتي بنتائج”، وفق أبو ستة.

 

وعزا عدم تجاوب السلطة مع مطالبهم إلى القول: “بعض القيادات في السلطة خلقت لكي تهدم المنظمة، وتهدم أيضا الكيان القانوني للشعب الفلسطيني، فهي أداة من أدوات الاحتلال الإسرائيلي، حتى أن اتفاق أوسلو لم يأت بكلمة تتحدث عن الحق الفلسطيني، لذلك كان دورها فقط كيفية تنظيم الاحتلال ومساعدته في إدارة المناطق المحتلة”.

 

ويؤكد أبو ستة أن الهدف من تحقيق إجراء انتخابات مجلس وطني في الخارج يأتي في سياق بعدين، الأول، “وجود كيان قانوني منتخب يمثل الشعب الفلسطيني”، والثاني، “محاولة إيجاد شرعية دولية للمجلس مهمتها الأساسية إدارة السفارات الفلسطينية ووجود مقعد لها في الأمم المتحدة”، بيد أن الذي يقف عقبة أمام تحقيق الثاني تحديدا، هي أمريكا و”إسرائيل” وأعوانهم من العرب في المنطقة.

 

“كل اجتماعات المجلس الوطني، التي تمت على مدار السنوات الماضية هي في نظر أبو ستة مزيفة، كونها تحت الاحتلال، ولايمكن القبول بها”، قائلا: “منذ 33 عاما وأنا عضو في المجلس الوطني، لكني لم أدخل أي اجتماع في بلدي الحر”.

 

فلسطينيو الخارج

 

وتطرق “أبو ستة” إلى دور اللاجئين الفلسطينيين، حيث تم قبل 21 عاما، تأسيس موقع يختص بقضية اللاجئين في العاصمة البريطانية لندن، تحت اسم “هيئة أرض فلسطين”، ويشمل مرجعية كاملة لكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وجذور الصراع مع الاحتلال، لافتا، إلى أن من يحمل لواء القضية الفلسطينية في الخارج هم النخبة من اللاجئين، العاملين في محافل عدة، أبرزها البرلمانات الأوروبية، وكمحاضرين أيضا في أعرق الجامعات العربية والغربية.

 

وأضاف: “المنظمة بعد اتفاق أوسلو لم تعمل شيئا لصالح الفلسطينيين، بل، أحيانا يعمل بعض السفراء ضدنا، حيث كانت ولا تزال الجهود على عاتق النخبة من اللاجئين”.

 

Source: Quds Press International News Agency